سعادةَ رئيسِ الجامعةِ اللُّبنانيَّةِ،

سعادةَ رئيسةِ المركزِ التَّربويِّ للبحوثِ والإنماءِ،

حضرةَ عميدِ كليَّةِ التَّربيةِ،

الزُّملاءَ الأفاضلَ،

الطُّلابَ الأعزَّاءَ،

الحُضورَ الكريمَ،

 

ان موضوع المؤتمرِ السنويِّ لمركزِ الدراساتِ والأبحاثِ التربويةِ في كلية التربية هذا العامِ ليس مجرَّدَ شعارٍ؛ فنحنُ نُؤمِنُ، قولًا وفعلًا، أنَّ البحثَ العلميَّ هو الدِّعامةُ الأساسيَّةُ لأيِّ سياسةٍ تربويَّةٍ عقلانيَّةٍ، عادلةٍ، ومستدامةٍ. وكما يقولُ مايكل باربر: "إنَّ السِّياساتِ الّتي لا تَستَندُ إلى أدلَّةٍ، مهما حَسُنَتِ النِّيّاتُ، تبقى عُرضةً للفشلِ المُتكرِّر".

أنَّ النُّظمَ التَّعليميَّةَ النَّاجحةَ لا تُبنى على الحدسِ، بل على نقلٍ مُنظَّمٍ ومُتدرِّجٍ للمعرفةِ العلميَّةِ نحو مراكزِ القرارِ. وقد أشارتِ الباحثةُ كارول ويس إلى أنَّ "استخدامَ الأبحاثِ في السِّياساتِ يُشبهُ عمليَّةَ التَّنقيطِ المُستمرِّ، لا الانفجارَ المُفاجئَ"، ممَّا يستدعي العملَ التَّراكميَّ والمثابرةَ في نقلِ النَّتائجِ وتكييفِها.

 

السَّادةُ الحُضورُ،

لقد أظهرتِ التَّجارُبُ العالميَّةُ أنَّ بلدانًا متقدِّمةً مثلَ فنلندا وكندا تعيشُ ثقافةً قويَّةً من الشَّراكةِ بين المؤسَّساتِ البحثيَّةِ وصُنَّاعِ السِّياساتِ. ففي فنلندا، يُعدُّ التَّعاونُ بين المعلِّمينَ، والمُشرفينَ، والهيئاتِ الحكوميَّةِ، ركيزةً أساسيَّةً في تطويرِ التَّعليمِ، من خلالِ ترجمةِ الأهدافِ المُشتركةِ إلى مناهجَ وخططٍ تعليميَّةٍ فعَّالةٍ (Oph.fi).

 وفي كندا، نجدُ مؤسَّساتِ بحوثٍ وطنيَّة ً تُعنى مباشرةً بتقديمِ الأدِلَّةِ العلميَّةِ لصانعي السِّياساتِ؛ مثل EPRI مبادرةُ أبحاثِ السِّياساتِ التَّربويَّة(Education Policy Research Initiative)  في جامعة اوتاوا.

ولكن، رَغمَ هذه التجارُبِ الناجحةِ، يُظهرُ تقريرٌ دوليٌّ حديثٌ لمنظَّمةِ التَّعاونِ الاقتصاديِّ والتنميةِ (OECD)ِ بعنوانِ Evidence in education، أنّ إدماجَ البحثِ في السياساتِ التربويةِ لا يزالُ يواجهُ تحدياتٍ حقيقيةً، أبرزُها غيابُ قنواتِ تواصلٍ مؤسسيّةٍ منتظمةٍ بين الباحثين وصنّاعِ القرارِ، فالمراكزُ البحثيةُ تنتجُ أبحاثًا غزيرةً، لكنها، في الغالبِ، لا تجدُ طريقَها إلى دوائرِ القرار وتؤكدُ اليونسكو في تقريرِها Knowledge to policy أنَّ "إعطاءَ الأولويَّةِ للرَّبطِ بين الإنتاجِ البحثيِّ وعمليَّاتِ صنعِ السِّياساتِ، عبرَ إنشاءِ آليَّاتٍ مخصَّصةٍ للتَّعاونِ ونقلِ المعرفةِ، هو أمرٌ حاسمٌ لتحقيقِ تعليمٍ عادلٍ وفعَّالٍ".

 

السَّيِّداتُ والسَّادةُ،

على الصعيدِ اللبنانيِّ، يزخرُ بلدُنا بثروةٍ بشريَّةٍ من الباحثينَ والخبراءِ التَّربويِّينَ، ممَّن أثبتوا حضورَهم داخلَ الوطنِ وخارجَهُ. ويشكِّلُ التَّفاعلُ المتزايدُ بين كليَّاتِ التَّربيةِ في الجامعاتِ اللُّبنانيَّةِ ركيزةً واعدةً لبناءِ منظوماتٍ تربويَّةٍ أكثرَ فاعليَّةً وشراكةً. ولا يفوتُنا أن نُشيرَ إلى أنَّ كليَّةَ التَّربيةِ في الجامعةِ اللُّبنانيَّةِ، من خلالِ قيادةٍ مُنفتحةٍ ومؤمنةٍ بدورِ البحثِ، قد وفَّرتْ مُنَاخًا حاضنًا ينسجمُ مع الجهودِ الوطنيَّةِ الجامعيَّةِ في هذا المجالِ، لا سيّما من خلالِ مركزِ الدراساتِ والأبحاثِ التربويّةِ.

وفي سياقٍ لبنانيٍّ واعد، شكّلت تجربة "ثينك تانك البحثِ والابتكارِ التربويِّ الوطنيِّ" مبادرةً نوعيّة آمنتْ بها رئاسةُ المركزِ التَّربويِّ للبحوثِ والإنماءِ، وتهدف إلى تعزيز دور البحث العلمي في اقتراح السياسات العامة. وقد شارك في تفعيل هذه التجربة ممثلون عن وزارة التربية والتعليم العالي، إلى جانب نخبة من الباحثين من كليات التربية في جامعات لبنانية متعددة.

إنَّها دعوةٌ لتوسيعِ هذا التَّوجُّهِ، بحيثُ تتحوَّلُ كليَّاتُ التَّربيةِ ومراكزُ الابحاثِ إلى منصَّاتٍ فاعلةٍ للرَّبطِ بين إنتاجِ المعرفةِ وصنعِ القرارِ، عبرَ شراكاتٍ مؤسَّساتيَّةٍ مستدامةٍ مع الجهاتِ الرَّسميَّةِ.

من هنا، نأمَلُ أن يُشكِّلَ هذا المؤتمرُ مناسبةً لاقتراحِ آليّاتٍ عمليّةٍ تُؤسِّسُ لمسارٍ مُنتظمٍ من التعاونِ بين الأكاديميا وصناعِ القرارِ، وان يجيبَ عن السؤالِ المحوريِّ:

كيف نَسُدُّ الفجوةَ بين ما يُنتَجُ من معرفةٍ وما يُستثمَرُ منها في السِّياساتِ التربويةِ؟

ولا بدَّ أن نُشيرَ إلى أنَّ الجلسةَ الافتتاحيَّةَ لهذا المؤتمرِ، بما تطرحُه من رؤًى وخبراتٍ، هي جزءٌ من هذا المسارِ، وتُشكِّلُ مساحةً أولى للنِّقاشِ حولَ آليَّاتِ التَّجسيرِ بين المعرفةِ والسِّياساتِ التربويةِ في السِّياقِ اللُّبنانيِّ.

أدعوكم لأن نُحوِّلَ هذا اللِّقاءَ إلى نقطةِ انطلاقٍ حقيقيَّةٍ لجعلِ البحثِ العلميِّ ليس فقط مرآةً للواقعِ، بل أداةً لتغييرهِ. ولكي لا تبقى التوصياتُ الصادرةُ عن المؤتمرِ حبرًا على ورق، سنُعِدُّ تقريرًا ختاميًّا يتضمّنُ توصياتٍ عمليةً متعلقةً بالسياسات وموجّهةً إلى الجهاتِ المعنيّة.

 

الحُضورُ الكريمُ،

إنَّ انعقادَ هذا المؤتمرِ لم يكنْ ليتمَّ لولا جهودٌ جماعيَّةٌ تستحقُّ التَّقديرَ.

فاسمحوا لي، أن أتوجَّهَ بالشكرِ الى راعي الاحتفالِ رئيسِ الجامعةِ اللبنانيةِ، المُعَزِّزِ الدّؤوبِ لمكانةِ الجامعةِ.

وأعربُ كذلك عن بالغِ شكري وتقديري لعميدِ كليّةِ التربيةِ على دعمِه المتواصلِ وإيمانِه الثابتِ بالدورِ الحيويّ للكليّةِ.

كما أخصُّ بالشكرِ السَّيِّداتِ في الهيئةِ العلميَّةِ لمركزِ الدِّراساتِ والأبحاثِ التَّربويَّةِ، على ما أبدينَهُ من التزامٍ وتفانٍ في مواكبةِ التَّحضيرِ لهذا المؤتمرِ.

وأتقدَّمُ بخالصِ الامتنان إلى اللَّجنتينِ العلميَّةِ والتنظيميَّةِ للمؤتمرِ وإلى الطُّلابِ الباحثينَ، ولكلِّ من ساهمَ من قريبٍ أو بعيدٍ في إنجاحِ هذا الحدثِ العلميِّ.

شكرًا لحضورِكم، ولإيمانِكم بقوَّةِ المعرفةِ وبقدرتِها على بناءِ الغدِ.